الفهرس

أولًا: الهبات

أولًا: الهبات

تبيِّن المستندات التي قُدِّمت إلى القضاء أنَّ عملية قيد وإنفاق الهبات شابتها مخالفات جوهرية، لم تحترم الحد الأدنى من الأصول، إنَّ لجهة طريقة قبولها، أو فتح اعتمادات لها في الموازنة، مما أدّى إلى شبهات كبيرة حول اختلاسات وهدر وإنفاق غير قانوني.

 

الأصول القانونية لمسار الهبات:

صدور مرسوم عن مجلس الوزراء بقبول الهبة.

تسجيل قيود العملية في الواردات الإضافية المحصَّلة خلال سنة تنفيذ الموازنة.

قيد الهبة في بيان الواردات الإجمالي مع أرصدة الإيرادات الأخرى في حساب المهمة وبالتالي قطع الحساب.

إذا كانت الهبة مشروطةً لنفقة معيَّنة وجب ذكر تنسيبها في المرسوم الصادر كإيراد ونفقة.

إذا لم تكن الهبة مشروطةً لنفقة معينة يقتضي إدراجها ضمن واردات الجزء الأول – الباب الثاني.

يتم إيداع الهبة في الحساب المفتوح لدى مصرف لبنان باسم الخزينة العامة ويحظر فتح حساب خاص لها.

تخضع الهبة لرقابة ديوان المحاسبة الإدارية المسبقة، إلّا أنّه بناءً على قوانين الموازنة من العام 1999 لغاية عام 2005 وموازنة عام 2017، فإنَّ رقابة ديوان المحاسبة الإدارية على الهبات تكون مؤخّرة، وتخضع للرقابة القضائية على الحسابات، وعلى متولّي إدارة الأموال العمومية، للبتِّ في صحّة حسابات المحاسب، أو أي شخص يتدخل لقبض أموال أو دفعها.

إنَّ إهمال أي من هذه المراحل يؤدّي حتمًا إلى عدم مراعاة المراحل التالية الأخرى، فمثلًا أيُّ هبةٍ لم تُقبل بمرسوم، فإنّه لن يتم تسجيلها في الواردات، ولن يتم مسكها بشكل قانوني، وبالتالي لن تظهر لدى ديوان المحاسبة عند اطلاعه على الحسابات، ليُجري عليها الرقابة الإدارية أو القضائية. وأيضًا فإنَّ الهبة التي تُقبل بمرسوم، لكن لا يتم تسجيلها في الواردات، سيكون مصيرها كسابقتها، لجهة عدم معرفة مصيرها (هل قبضت؟ وكيف صرفت؟).

المخالفات المتعمَّدة للأصول القانونية في الهبات:

إنَّ الملف الذي قُدِّم إلى القضاء المختص، أظهر حجم المخالفات المتعمَّدة لهذه الأصول، وقد كانت على الشكل التالي:

1 - هبات لم تُقبل بمراسيم بل قُبلت بقرارات.

2 - هبات قُبلت بمراسيم لكن لم يتم قيدها.

٣ - هبات تم فتح حساب خاص لها.

٤ - هبات تم صرفها على فرق للاستعانة من خارج الإدارة رغم وجود فرق كفوءة في الإدارة.

٥ - هبات تعذّرت الرقابة على استلامها وكيفيَّة صرفها.

1. هبات لم تُقبل بمراسيم

1. هبات لم تُقبل بمراسيم

إنَّ بعض الهبات لم تُقبل وفق الأصول، بموجب مرسوم، ما نتج عنه أنَّ قطوعات الحسابات، لم ولن تلحظ قيمة الهبة الفعلية ولا كيفية التصرف بها.

 

إنَّ المستند التالي الصادر عن الفريق المكلّف تدقيق حساب الهبات في وزارة المال يشير إلى الهبات التي لم تُقبل بمراسيم، وجرى تسجيلها في الحسابات المؤقتة:

هبات لم تُقبل بمراسيم

 

إنَّ تسجيل مبالغ في حسابات مؤقتة للواردات أو النفقات، يعني أنَّ هذه المبالغ قُبِضت أو دُفعت دون أن يكون لها تنسيب في قسم الواردات، أو تنسيب في قسم النفقات، وهذا يؤشِّر إلى مخالفة في تحصيل الواردات وفي صرف النفقات، ويشكِّل أيضًا مخالفةً لقواعد المحاسبة المنصوص عليها في التصميم العام لحسابات الدولة، حيث يقتضي التصميم الوضوح والشفافية في تسجيل حسابات الدولة اللبنانية.

 

يــــتــــم قــــبــــول الــهــبــة بـمـرسـوم وتسجل في قسم الـــواردات وتوضع في حــــســــاب الخــزيــنــة الـعـامـة وهـــو مــا جـرت مخالفته بـشـكـل كبير

 

يمكن الإشارة إلى الجزء الثاني من هبة الاتحاد الأوروبي التي لم تُقبل بمرسوم بل قُبلت بقرار صادر عن مجلس الوزراء حمل الرقم 76 بتاريخ 2004/09/09، بطلب من وزير المالية، لتحويل 12.5 مليون يورو لصالح برنامج الأمم المتحدة للإصلاحات المالية في وزارة المالية.

 

تقرير وزارة المالية حول الهبة الأوروبية:

تقرير وزارة المالية حول الهبة الأوروبية

 

2. هبات قُبلت بمراسيم لكن لم يتم قيدها

2. هبات قُبلت بمراسيم لكن لم يتم قيدها

إنَّ كثيرًا من الهبات التي قُبلت بمراسيم لم يتم قيدها، فلم يتم ذكر تنسيبها ولا إدراجها ضمن الواردات

 

إنَّ كثيرًا من الهبات التي قُبلت بمراسيم لم يتم قيدها، فلم يتم ذكر تنسيبها ولا إدراجها ضمن الواردات، وحتى القليل ممّا تمّ تحديد تنسيبه، أوردته وزارة المالية في خانة التحققات، إلّا أنّها أغفلت قيده في خانة التحصيل، وذلك من شأنه أن يجهض أي عملية رقابة إدارية أو قضائية، فيتعذر معرفة طريقة صرفها، بل يتعذر معرفة إنَّ كان تم استلام الهبة فعلًا.

 

8% فقط من مراسيم قبول الهبات الصادرة منذ العام 1997 حتى العام 2010 تم قيدها، بينما 92% لم يتم قيدها.

 

أ-  توزيع الهبات بين العام 1993 والعام 2010

فيما يلي رسم بياني يوضح توزيع مراسيم الهبات المقبولة في مجلس الوزراء بين عامي 1993 و2010 بحسب الجهات المستفيدة:

توزيع الهبات بين العام 1993 والعام 2010

 

يُظهر الرسم البياني التالي عدد الهبات الصادرة بموجب مراسيم مقابل الهبات المسجلة في القيود المحاسبية للأعوام 1997 - 2010:

 الهبات المسجلة في القيود المحاسبية للأعوام 1997 - 2010

 

يُظهر الجدول التالي قيمة الهبات غير المسجلة للأعوام 1997 - 2010:

 الهبات غير المسجلة للأعوام 1997 - 2010

 

قيمة الهبات غير المسجلة للأعوام 1997 - 2010 بحسب الجهة المستفيدة يظهرها الجدول التالي:

قيمة الهبات غير المسجلة للأعوام 1997 - 2010

 

ب- نماذج حول عدم قيد الهبات في الواردات

تُبيّن وثائق هذا الملف أنّه لم يتم قيد أي هبة في جدول الواردات، إلّا أنّه لدى التدقيق يتبيَّن أنَّ الواقع خلاف ذلك، إذ إنَّ مبلغ الواردات الإضافية المقدّرة من الهبات جاء مغايرًا لمبلغ الواردات المحصّلة، في حين أنَّ التدقيق في الهبات التي قُبِلت بمراسيم أو قرارات صادرة عن مجلس الوزراء يفوق ذلك بأضعاف.

 

جدول واردات الموازنة العامة الإجمالية لعام 2005 يُظهر أنه لم يتم قيد أيّ هبةٍ في باب الهبات:

واردات الموازنة العامة الإجمالية لعام 2005

 

مشروع قطع حساب عام 2005 يُظهر التفاوت في أرقام الهبات:

مشروع قطع حساب عام 2005

 

ونموذج آخر من قطع حساب عام 2006:

نموذج آخر من قطع حساب عام 2006

 

وكذلك الحال في قطع حساب العام 2007:

نموذج من قطع حساب العام 2007

 

بــن الاعـــــوام 2005 و2006 و2007 دخــــلــــت هــــبــــات بــقــيــمــة ثـــلاث مـــلـــيـــارات دولار، مـــن ضمنها مـسـاعـدات حــرب تـمـوز 2006، إلا أنها لم تدخل إلى حساب الخزينة.

 

ج- نموذج حول كيفية التصرف بالهبات

تشكِّل «الهبة الأوروبية لدعم الإصلاح المالي»، واحدًا من النماذج البارزة لكيفية تعامل الحكومة مع كثير من الهبات التي قُبِلت بمراسيم دون تنسيبها وقيدها في الواردات.

بتاريخ 2000/10/02 تم قبول «الهبة المقدَّمة من الاتحاد الأوروبي لدعم جهود الإصلاح المالي وقيمتها 30 مليون يورو أي ما يعادل 40.554.000.000 ل.ل»، بموجوب مرسوم صادر عن مجلس الوزراء يحمل الرقم 3948.

لم تقيَّد هذه الهبة في الواردات بل جرى قيدها في حساب مؤقت، ثم نُقِلت إلى حساب الأمانات ومنه تم تحويل مبلغ 32.360 مليار ليرة للهيئة العليا للإغاثة، وآخر بقيمة 6.835 مليار ليرة لأمين صندوق الخزينة مخصَّص لمشروع برنامج الأمم المتحدة للتنمية في وزارة المال، دون أن تكون هناك إشارة في قرار مجلس الوزراء تجيز مثل هذا الأمر، إضافة إلى مخالفة وزير المال مبدأ التسلسل الإداري، إذ طلب مباشرة من مديرة الخزينة تخصيص المبلغ المذكور. وبقي مبلغ في حساب الأمانات تمَّ نقل الجزء الأكبر منه وهو 1.32 مليار ليرة إلى مشروع برنامج الأمم المتحدة للتنمية، دون معرفة مغزى ذلك. 

مستند صادر عن فريق تدقيق حساب الهبات في وزارة المالية، يشير إلى التصرف بالهبات في غير الغاية المخصصة لها:

 التصرف بالهبات في غير الغاية المخصصة لها

 

د- نموذج عن محاولة تدقيق

بتاريخ 2011/03/07 أرسل مدير عام المالية ملفًا يحمل الرقم 599/ص 1 إلى ديوان المحاسبة يطلب فيه التثبت من قيود عائدة للهبة المقدمة من الاتحاد الأوروبي لدعم الإصلاح المالي بقيمة 30 مليون يورو، وذلك كون التصرف بها تشوبه الكثير من المخالفات (تمت الإشارة إلى هذا الملف في ص <OV>). وبعد قيام ملف مكافحة الفساد بمتابعة القضيّة، كانت المفاجأة أنَّ الملف فُقِد من قلم ديوان المحاسبة ولم تتم إحالته، فتمت متابعة الموضوع قضائيًّا، إلى أن تمّ العثور على الملف وإعادة تحريكه من جديد.

ه- خلاصة تدقيق السنوات 1993 - 1996

يُظهر المستندان التاليان الصادران عن فريق تدقيق حساب الهبات في وزارة المالية أسباب تعذُّر التدقيق ونتيجته:

 أسباب تعذُّر التدقيق ونتيجته

 

و- خلاصة تدقيق السنوات 1996 - 2010

يُظهر المستند التالي الصادر عن فريق تدقيق حساب الهبات في وزارة المالية أنَّ 8% فقط من مراسيم قبول الهبات تم قيدها وبالتالي تتعذر عملية التدقيق والرقابة فيما يخص التأكد من قبضها فعلًا وكيفية صرفها:

خلاصة تدقيق السنوات 1996 - 2010

3. هبات تم صرفها على فرق خارجية رغم وجود فرق كفوءة في الإدارة

3. هبات تم صرفها على فرق خارجية رغم وجود فرق كفوءة في الإدارة

تم صرف مبالغ كبيرة من الهبات على استشاريين وموظفين من خارج الإدارة، دون أيّة معايير واضحة أو دراسة جدوى، رغم وجود موظفين أكفّاء في الإدارة، ويقع جزء من تلك الأعمال في صلب وظائفهم. وفيما يلي إشارة إلى بعض النماذج حسبما وردت في تقرير لديوان المحاسبة:

 

أ-    قامت وزارة المهجرين بإنشاء مشروع تحت اسم «البرنامج الاقتصادي والاجتماعي لدعم عودة المهجرين إلى جبل لبنان»، بكلفة بلغت مليون و650 ألف دولار أميركي، ساهمت وزارة المهجرين بمليون و500 ألف دولار منها، فيما ساهم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) بمبلغ 150 ألف دولار أميركي كهبة، على أن تتولّى الأخيرة إدارة المشروع مقابل أن تتقاضى ما نسبته 5% من قيمة المشروع. وبعملية حسابية صغيرة يتضح أنَّ ما تقاضته الجهة التي أدارت المشروع (82.5 ألف دولار) يفوق نصف المبلغ الذي ساهمت فيه وبالتالي فإنَّ جزءًا كبيرًا من الهبة التي ساهم بها هذا البرنامج تكون قد عادت إليه، دون أي تدقيق أو دراسة جدوى.

ب-  «مشروع تقوية قدرات وزارة البيئة المؤسساتية بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي خلال الفترة الممتدة بين العام 2010 ومنتصف العام 2011». مداخيل هذا المشروع هي 1.43 مليار ليرة لبنانية، فيما بلغت رواتب موظفي ومستشاري برنامج الأمم المتحدة الإنمائي  425 مليون ليرة لبنانية. ولدى استيضاح الإدارة حول كيفية توزيع هذه المبالغ تمنع فريق الـ UNDP عن إعطاء أي معلومات بهذا الشأن. مع الإشارة إلى أنَّه توجد في وزارة البيئة كفاءات علمية قادرة على إدارة المشروع من دون أي تكلفة إضافية.

٤. هبات تم فتح حساب خاص لها

٤. هبات تم فتح حساب خاص لها

لم تكتف الحكومة بعدم قيد وتنسيب كثير من الهبات، بل تم فتح حسابات خاصة بالهبات ممّا أدّى إلى تناثرها وحال دون التدقيق فيها.

 

أ-  الجزء الثاني من الهبة الأوروبية نموذجًا

قُبِلَ الجزء الثاني من الهبة الأوروبية بقرار يحمل الرقم 76 بتاريخ 09/09/2004 بقيمة 12.250 مليون يورو، ولا توجد أي معطيات حوله كونه تم فتح حساب خاص بهذه الهبة في مصرف لبنان.

ب- عدم وجود آلية واضحة وموحدة لتسجيل الهبات

معظم الهبات لم يتمّ قيدها في محاسبة الدولة وفقًا للتصميم العام للحسابات، مما انعكس سلبًا على قيمة واردات الدولة ونفقاتها بحيث لم يُعرف كيف صرفت.

يبيِّن المستند التالي الصادر عن فريق تدقيق حساب الهبات كيفية توزع الهبات:

كيفية توزع الهبات

 

ج - فتح حسابات خاصة للهبات الممنوحة لمؤسسات عامة (غالبًا لمجلس الإنماء والإعمار)

كان مجلس الإنماء والإعمار يقوم بتنفيذ مشاريع لصالح إدارات عامة، وبالتالي كان ينبغي أنَّ يتم تسجيل هذه الهبات في القيود المحاسبية لوزارة المالية، وإيداع وزارة المالية كشفًا بكيفية التصرف بالهبة. إلّا أنَّ هذا الأمر لم يكن يتم، فكانت الهبات توضع في حساب مجلس الإنماء والإعمار، ما يحول دون إمكانية تدقيقه.

 

د - فتح حساب خاص لهبات إعادة الإعمار بعد حرب تموز 2006

تم فتح حساب خاص في مصرف لبنان للهبات التي قُدّمت للبنان لإعادة الإعمار بعد حرب تموز 2006، وهذا الحساب لم يخضع للآليات القانونيّة المعتمدة في تطبيق الأصول لجهة قيد الهبات كواردات، تُسجّل في حسابات الخزينة وقد أتاح هذا الأمر التصرّف بالهبات خلافًا للأصول، وكثيرٌ منها لم يُحقق الهدف المنشود.